المصدر :شبكة رصد الاخبارية
تحتضن المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية على الكثير من المواقع الأثرية، وكان لقيام المدن والمستوطنات العريقة في المنطقة كان ذلك بفضل موقعها الإستراتيجي الذي تميزت به لتوسطها بين الحضارات القديمة التي برزت في منطقة الهلال الخصيب ووادي الرافدين شمالاً، في الهند والسند وفارس شرقاً وفي اليمن جنوباً، بالإضافة إلى إشرافها على جزء كبير من ساحل الخليج العربي، الأمر الذي جعلها تلعب دوراً هاماً في الاتصالات البشرية والتجارية بين شعوب تلك الحضارات منذ أكثر من عشرة آلآف سنة.
وقد تبن من خلال المسح الأثري التي قامت به إدارة الآثار والمتاحف الذي أجري على المنطقة في عام 1396هـ/ 1976م، وعام 1397 هـ/1977م) أن هناك أكثر من 400 موقع أثري تعود إلى فترات مختلفة منذ العصور الحجرية وحتى أواخر العصر الإسلامي.
لأهمية معرفة الخلفية الأثرية لثاج لأبد من مقدمة بموقع ثاج [1] .
يعد ثاج من أهم المواقع الأثرية وهو أكبر موقع هلينستي[2] في المنطقة الشرقية معروف حتى الآن، والفترة الهلينستية من أغنى الفترات في الآثار إذ لم تكن أغناها وأهمها على الإطلاق والموقع أيضاً يعود إلى ما بعد الفترة الهلينستية. وقد كانت مواقع المنطقة الشرقية وآثارها محل اهتمام المؤرخين وعلماء الآثار والراحلة الغربيين وكذلك جامعي الآثار، مما عرض لسرقت الكثير من الآثار وتهريبها للخارج وبيع بعضها على المتاحف الأجنبية.
وعند قدوم جيفري بيبي للمنطقة الشرقية عام 1383هـ/1968م كان هذا التجمع منتشر ولكنه طي الكتمان. وثاج إحدى تلك المواقع التي تم أخذ الكثير والكثير من آثارها. ويقول بيبي[3] عند زيارته لثاج: «قد أنجزوا تمشيط كل المنطقة (ثاج) بمشط دقيق الأسنان». ولكن مازالت تحتضن في باطنها على الكثير من الآثار.
وتعد ثاج واحدة من أهم مراكز العمران في الأزمنة السابقة على ظهور الإسلام لعدّة أسباب، ربما من أهمها غناء البيئة المحيطة بها بالمياه الموسمية والجوفية ووفرة المراعي لقطعان الماشية وتتمركز ثاج في قلب صحراء عبورها أمر لا بد منه لمن يريد شرقي الجزيرة العربية من وسطها أو من يريد وسطها من شرقيها فمن المسلم به أن تجارة الخليج العربي سواء مع الهضبة الإيرانية أو شبة القارة الهندية أو غيرها كانت تفرغ في مواني الخليج العربي كالدفي[4] في منطقة الجبيل ثم تنقل براً في اتجاهات متعددة منها ثاج.
وتتبين ضخامة الدور الذي لعبته مستوطنة ثاج بين سكان الزمن الذي عاصرته مما وجد فيها من مادة أثرية كثيرة كقطع العملة التي يعود بعضها إلى مصادر يوناني ورومانية وسلوقية وتأثيرات من تلك العملات، وكذلك المجسمات الفخارية التي أثبتت الدراسات أنها ذات أصول مختلفة منها ما هو متأثر بما كان يوجد في بلاد الرافدين وشمال غربي الجزيرة ويضاف إلى تنوع المادة الفخارية واحتواؤها على ما هو مستورد من مراكز حضارية كاليونان.
ويقول جفري بيبي عند زيارته لثاج: «… وفجأة أصبحنا فوق ثاج، لقد سبق لي أن رأيت صوراً جوية لثاج وبالتالي كنت أعرف ماذا عليّ أن أتوقع، ولكن لم أكن متوقعاً ذلك الحجم، فتحتي مدينة كبيرة، وقد بدت جدرانها الدفاعية على هيئة متوازي الأضلاع واضحة المعالم، وامتدت حولها حقول المدافن، وقد شكلت بعض الأكام على نحو دائري غريب حيث يقوم سور دائري تتوسطه حفره …» حتى ذهب بعض من الباحثين على أن ثاج هي الجرهاء.
وربما كانت ثاج عاصمة لكيان سياسي قوي فكان دخلها الاقتصادي منبته قوتها العسكرية وسيطرتها على طرق المواصلات والحماية التي توفرها للقوافل التجارية.
ويعتقد بيبي بأن استيطانها السابق على الإسلام ربما انتهى قسراً بعد أن تعرضت على ما يبدو لهجوم عسكري، بناءً على المادة الأثرية المتوفرة على سطحها.
وتقع ثاج بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية على بعد 95 كم تقريباً عن مدينة الجبيل، وعلى بعد 150كم تقريباً إلى الشمال الغربي عن مدينة الظهران، وعلى بعد 300 كم عن مدينة الدمام، عند خط طول 33 43 48شرقاً، وخط عرض 38 22 26 شمالاً، ويعتبر موقع ثاج من أهم المواقع الأثرية في المنطقة الشرقية وفي المملكة. والموقع يأخذ رقم «215 ـ 208» في سجلات إدارة الآثار والمتاحف السعودية، وتقع ثاج في وادٍ ضحل ينحدر ببطيء نحو الشمال. وتقع على طريق القوافل التجارية القديم المتجهة جنوباً إلى اليمامة والأفلاج ومنها إلى وادي الدواسر ثم إلى قرية الفاو[5] ونجران[6] . وقد اكتسبت أهميه بارزة في توفير الخدمات اللازمة لتجارة العبور وربما كانت إحدى أهم محطات ذلك الطريق.
وثاج تتكون من كثبان وتربة طينية تليها طبقات من الصخور الرسوبية وطبقات من الحجر الجيري التي تختزن المياه.
وتشغل ثاج مساحة من الأرض تقدر بـ 20كم مربع تقريباً إلاّ أن المنطقة التي تحتوي على مواقع أثرية تقدر بحوالي بـ 4 كم مربع. والموقع الأثري لثاج عبارة عن مدينة متكاملة يحيط بها سور خارجي، وخارج السور تتواجد مباني أثرية تعود لنفس الفترة،ومنها ما هو أقدم منها، وكذلك البعض منها تتبع توسعة للمدينة بعد أن اكتظت بالسكان أو لها علاقة بالقوافل، أو لشي آخر. ويحد ثاج من الشمال الحناءة[7] على بعد 11 كم ومن الشرق تلال البتيل ومن الجنوب سبخة[8] الخويصره أمّا من الغرب فيحدها كثبان رملية. وتقع ثاج على الطرف الشرقي لوادي المياه، وتعتبر ثاج من موارد المياه القديمة حيث تتوفر فيها مياه عذبة وتم حصر خمسة عشر بئراً داخل السور الأثري وسبعة آبار تقع في محيط ثاج الأثري خارج السور الأثري في الجهة الجنوبية والشرقية منها وهي مطوية بالأحجار.
وتدل الدلائل على أن الاستيطان في ثاج قديم حيث استوطنت خلال عصور ما قبل التاريخ ويستمر الاستيطان في ثاج خلال الفترة الأشورية والبابلية المتأخرة وكذلك بالفترة الأخمينية الممتدة من سقوط الدولة البابلية الثانية وحتى ظهور الإسكندر الأكبر في الشرق عام 332 ق.م، وأستمر الاستيطان خلال الفترة الهلينستية. وتعتبر هذه الفترة أغنى الفترات في المخلفات الأثرية وأهمها ويستمر الاستيطان خلال الفترة البارثية والساسانية والتي تمتد من القرن الأول الميلادي تقريباً حتى القضاء على الدولة الساسانية عام 640م، وكانت ثاج معروفة في بداية العصر الإسلامي لكنها لم تكن مشهورة بعد أن انتقلت التجارة منها إلى هجر. وأصبحت بعيدة عن مسرح التطورات السياسية بل صارت ملجأ لمن خرجوا على الدولة الإسلامية، ويمتد الاستيطان فيها حتى القرن الرابع الهجري حيث أشارت المصادر إلى ذلك. وفي القرون المتأخرة كانت من مواطن بني خالد، وفي سنة 1917م تأسست «ثاج» كهجرة لقبيلة العوازم، وبها الآن عدد قليل من المنازل. وأن أقرب الفترات وضوحاً في ثاج هي ما بين 300 ق. م وحتى 300 ميلادياً.
ويمكن القول استناداً إلى الشواهد الأثرية كمساحة المدينة الأثرية داخل السور وخارجه والمساحة الكبيرة التي تشغلها تلال المدافن وسورها الضخم الذي يعتبر أعرض سور وجد في الجزيرة العربية والذي يقارب من 5 أمتار ومساكنها وطريقة بنائها وآبارها الكثيرة ولقاها المتنوعة بأن ثاج كانت مدينة تجارية كبيرة وراقية ومزدهرة وذات تجمع سكاني كبير وتبين وجود خمس مراحل استيطانية رئيسية على الأقل، كما وجد الكثير من المعثورات الأثرية والمتميزة منها العملات المحلية ودولية التداول، الفخار بأنواعه منه المميز والمستورد، وكذلك المباخر بأشكالها المختلفة والدمي الفخارية ؛ البشرية والحيوانية ووجد في ثاج أكبر كمية من الدمي الفخاري في الجزيرة العربية وكذلك النقوش الكتابية بالخط المسند وجد كميات كبيرة ومتنوعة وأغلبها شواهد قبور وبعضها معاملات تجارية.
جري في ثاج عدة مواسم تنقيبية ومنها الموسم الأول لمتحف الدمام[9] عام 1419هـ وهو ما سوف نتحدث عنه بأختصار بناءً على ما نشر من التقرير الأثري الذي نشر في حولية أطلال السعودية ع16 عام 1421هـ / 2001م ص ص: 37- 71.
من منطلق استمرار فعاليات ونشاط وكالة الآثار والمتاحف لعمل حفريات في أنحاء المملكة اختيار ثاج للتنقيب فيه وذلك لأهميتها الأثرية.
تم تحديد أحد التلال ألأثرية في موقع ثاج وأطلق على التل تل الزاير[10] ، والتل يتميز بضخامته ويرتفع ما يقارب من 6 أمتار، والتل تعرض قديماً للتعدي من الجهة الجنوبية الغربية، كما أن التل قد عمل فيه مجس صغير من قبل وكالة الآثار.
تم تحدي مربع للبدء في عملية الحفر وأثناء الحفر والتنقيب وعلى عمق 160سم وجد فتحة صغيرة دائرية قطرها 10سم وبالنظر داخلها ربما يدل على غرفة دفن تم الحفر والتنقيب وتتبع الفتحة وفي هذه الأثناء بدأت تظهر جدران غرفة المدفن وتتم تتبعها وظهر مدفن مستطيل الشكل مبني من الحجارة بأطوال 2م في 102سم وقد بنيت الجدران بألواح أو مداميك حجرية مستطيلة من الحجر الجيري وبأحجام متساوية تقريباً، كما دعم المدفن بأحجار غير منتظمة حوله لحماية الغرفة وتقويتها ودعمها من الخارج.
وعند بداية فتح المدفن لوحظ أن الغطاء الحجري للمدفن قد سقط داخل المدفن وربما بسبب مرور السيارات فوق ظهر التل وثقل الرديم على غطاء المدفن.
وأثناء رفع غطاء المدفن بدأ بعض من القطع الذهبية على عمق 70-90سم وتم تدريجياً الكشف عن بعض القطع الذهبية، وفي أسفل المدفن وجد الكنز الذهبي (المرفقات الجنائزية) وهو متمثل في ما يلي:
• القناع الذهبي: وهو من أهم المكتشفات، وعند دراسة القناع وجد أنه يشبه قناع آخر معروض في المتحف الوطني بلبنان يعود لأحد الملوك ويدعى بالبيك ملك سيدون، ووجوده في المدفن له دلائل وأفكار ومعتقدات دينية. وكان مثبت على وجه الهيكل.
• الأساور: وجد عدد 2 من الأساور الذهبية متداخلة مع بعضها البعض.
• الأقراط (الحلق): كشف عن عدد 2 بالقرب مكن الأذنين وهما على هيئة حلقات تثبت في ثقب شحمة الأذن.
• الخواتم: والخواتم كان لهم نصيب فقد وجد عدد 2 من الذهب وهما مطعمان بأحجار كريمة بهما نقوش أحدهما لرأس إنسان ربما يكون وجه حاكم حيث يرتدي زياً عسكرياً يمثل الخوذة، والآخر به نقش آلهة واقفة (أرتمس) والخاتمين يختلفان في الحجم.وعند التأمل في الخواتم تأملاً دقيقاً نجد أنهم صنعا بيد فنان قدير وماهر قد أبدع في أخراج التحفة الفنية ذات الذوق الفني الرفيع والرائع في الشكل والتصميم المتناهي الصنع.
• العقود: تم الكشف عن عقدين من الذهب واحد منهم مزين بأحجار كريمة ولؤلؤ، والعقد الثاني ذو سلسلة ذهبية مكون من قلب مطعم بأحجار كريمة ولؤلؤ وفي وسطه فص من الياقوت الأحمر عليه نقش يمثل صورة وجه امرأة ربما يكون للآلهة أفروديتي آلهة الحب والجمال في الأساطير القديمة، ويلاحظ دقة الصنع والنحت.وكذلك كشف عن عقد ثالث من الذهب.
• الكف: مصنوع من الذهب عليه ثقوب وجد نصفه على البطن والنصف الآخر على الساعد وطوله 15سم وعرضه 5سم.
• شرائط ذهبية: وهي رقائق شريطية.
• قطع ذهبية كثيرة: ويبلغ عدد أكثر من ثمانين قطعة موزعة حول الهيكل والبعض منها تحتوي على زخارف منها الزهرة، ومنها صورة الإله زيوس واقفاً، وأيضاً صورة النسر واقفاً وهو من ضمن المعبودات في ثاج (احتمال)، وقطعة واحدة تحمل صورة وجه امرأة مرتدية إكليلاً من أورق النبات وشعرها على هيئة ضفائر... ووجد ما يقارب من 190 قطعة من الأزرار الذهبية متوسطة الحجم لكل منها حلقة من الداخل للتثبيت، ومن المكتشفات أيضاً 66 قطعة من الأزرار الذهبية الصغيرة وكذلك بعض حبات اللؤلؤ الصغير المتناثر وربما كانت تزين ملابس المتوفاة.
• هيكل عظمي لفتاة: من دراسة الهيكل اتضح أن الفتاة يتراوح عمرها ما بين 9 – 11 سنة وطولها 120سم وتم وضع اللقي الجنائزية لإثبات أن الفتاة من أسرة ملكية أو ذات مكانة عالية أو ابنة حاكم يعني أنها بنت شخصية مهمة.
• السرير الجنائزي: المدفن في العصور القديمة مهم جداً للشخص المتوفى ولكن القلة منهم من يوضع على سرير، والسرير المكتشف صنع من المعدن والخشب إلاّ أن الخشب قد تأكل بفعل عامل الزمن، وإلى السرير أربعة قوائم عند كل زاوية وقد شكلت هذه القوائم على هيئة تماثيل من المعدن على هيئة سيدة واقفة بطول 40سم وكل اثنين منهم متشابهين في الشكل. وفيهم إتقان الصنع وعلى السرير صفيحة مثبته على الجوانب العلوية منقوشة لدلفينين مرتبطين بالذيل وهذا لهم دلالة دينية.
• الأواني المعدنية: وجد عدد 4 قطع معدنية متآكلة.
ويعود المدفن والهيكل إلى ألفي سنة من الآن (الفترة الهلينستية) تقريباً. وأغلب المعثورات معروضة في المتحف الوطني بالرياض وجزء يسير منها معروض بمتحف الدمام الإقليمي.
صور لبعض القطع الذهبية:





تحتضن المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية على الكثير من المواقع الأثرية، وكان لقيام المدن والمستوطنات العريقة في المنطقة كان ذلك بفضل موقعها الإستراتيجي الذي تميزت به لتوسطها بين الحضارات القديمة التي برزت في منطقة الهلال الخصيب ووادي الرافدين شمالاً، في الهند والسند وفارس شرقاً وفي اليمن جنوباً، بالإضافة إلى إشرافها على جزء كبير من ساحل الخليج العربي، الأمر الذي جعلها تلعب دوراً هاماً في الاتصالات البشرية والتجارية بين شعوب تلك الحضارات منذ أكثر من عشرة آلآف سنة.

التل الذي كشف فيه المدفن
لأهمية معرفة الخلفية الأثرية لثاج لأبد من مقدمة بموقع ثاج [1] .
يعد ثاج من أهم المواقع الأثرية وهو أكبر موقع هلينستي[2] في المنطقة الشرقية معروف حتى الآن، والفترة الهلينستية من أغنى الفترات في الآثار إذ لم تكن أغناها وأهمها على الإطلاق والموقع أيضاً يعود إلى ما بعد الفترة الهلينستية. وقد كانت مواقع المنطقة الشرقية وآثارها محل اهتمام المؤرخين وعلماء الآثار والراحلة الغربيين وكذلك جامعي الآثار، مما عرض لسرقت الكثير من الآثار وتهريبها للخارج وبيع بعضها على المتاحف الأجنبية.
وعند قدوم جيفري بيبي للمنطقة الشرقية عام 1383هـ/1968م كان هذا التجمع منتشر ولكنه طي الكتمان. وثاج إحدى تلك المواقع التي تم أخذ الكثير والكثير من آثارها. ويقول بيبي[3] عند زيارته لثاج: «قد أنجزوا تمشيط كل المنطقة (ثاج) بمشط دقيق الأسنان». ولكن مازالت تحتضن في باطنها على الكثير من الآثار.
وتعد ثاج واحدة من أهم مراكز العمران في الأزمنة السابقة على ظهور الإسلام لعدّة أسباب، ربما من أهمها غناء البيئة المحيطة بها بالمياه الموسمية والجوفية ووفرة المراعي لقطعان الماشية وتتمركز ثاج في قلب صحراء عبورها أمر لا بد منه لمن يريد شرقي الجزيرة العربية من وسطها أو من يريد وسطها من شرقيها فمن المسلم به أن تجارة الخليج العربي سواء مع الهضبة الإيرانية أو شبة القارة الهندية أو غيرها كانت تفرغ في مواني الخليج العربي كالدفي[4] في منطقة الجبيل ثم تنقل براً في اتجاهات متعددة منها ثاج.

المدفن
ويقول جفري بيبي عند زيارته لثاج: «… وفجأة أصبحنا فوق ثاج، لقد سبق لي أن رأيت صوراً جوية لثاج وبالتالي كنت أعرف ماذا عليّ أن أتوقع، ولكن لم أكن متوقعاً ذلك الحجم، فتحتي مدينة كبيرة، وقد بدت جدرانها الدفاعية على هيئة متوازي الأضلاع واضحة المعالم، وامتدت حولها حقول المدافن، وقد شكلت بعض الأكام على نحو دائري غريب حيث يقوم سور دائري تتوسطه حفره …» حتى ذهب بعض من الباحثين على أن ثاج هي الجرهاء.
وربما كانت ثاج عاصمة لكيان سياسي قوي فكان دخلها الاقتصادي منبته قوتها العسكرية وسيطرتها على طرق المواصلات والحماية التي توفرها للقوافل التجارية.
ويعتقد بيبي بأن استيطانها السابق على الإسلام ربما انتهى قسراً بعد أن تعرضت على ما يبدو لهجوم عسكري، بناءً على المادة الأثرية المتوفرة على سطحها.

الجمجمة وبجانبها عدد 2 أساور
وثاج تتكون من كثبان وتربة طينية تليها طبقات من الصخور الرسوبية وطبقات من الحجر الجيري التي تختزن المياه.
وتشغل ثاج مساحة من الأرض تقدر بـ 20كم مربع تقريباً إلاّ أن المنطقة التي تحتوي على مواقع أثرية تقدر بحوالي بـ 4 كم مربع. والموقع الأثري لثاج عبارة عن مدينة متكاملة يحيط بها سور خارجي، وخارج السور تتواجد مباني أثرية تعود لنفس الفترة،ومنها ما هو أقدم منها، وكذلك البعض منها تتبع توسعة للمدينة بعد أن اكتظت بالسكان أو لها علاقة بالقوافل، أو لشي آخر. ويحد ثاج من الشمال الحناءة[7] على بعد 11 كم ومن الشرق تلال البتيل ومن الجنوب سبخة[8] الخويصره أمّا من الغرب فيحدها كثبان رملية. وتقع ثاج على الطرف الشرقي لوادي المياه، وتعتبر ثاج من موارد المياه القديمة حيث تتوفر فيها مياه عذبة وتم حصر خمسة عشر بئراً داخل السور الأثري وسبعة آبار تقع في محيط ثاج الأثري خارج السور الأثري في الجهة الجنوبية والشرقية منها وهي مطوية بالأحجار.
وتدل الدلائل على أن الاستيطان في ثاج قديم حيث استوطنت خلال عصور ما قبل التاريخ ويستمر الاستيطان في ثاج خلال الفترة الأشورية والبابلية المتأخرة وكذلك بالفترة الأخمينية الممتدة من سقوط الدولة البابلية الثانية وحتى ظهور الإسكندر الأكبر في الشرق عام 332 ق.م، وأستمر الاستيطان خلال الفترة الهلينستية. وتعتبر هذه الفترة أغنى الفترات في المخلفات الأثرية وأهمها ويستمر الاستيطان خلال الفترة البارثية والساسانية والتي تمتد من القرن الأول الميلادي تقريباً حتى القضاء على الدولة الساسانية عام 640م، وكانت ثاج معروفة في بداية العصر الإسلامي لكنها لم تكن مشهورة بعد أن انتقلت التجارة منها إلى هجر. وأصبحت بعيدة عن مسرح التطورات السياسية بل صارت ملجأ لمن خرجوا على الدولة الإسلامية، ويمتد الاستيطان فيها حتى القرن الرابع الهجري حيث أشارت المصادر إلى ذلك. وفي القرون المتأخرة كانت من مواطن بني خالد، وفي سنة 1917م تأسست «ثاج» كهجرة لقبيلة العوازم، وبها الآن عدد قليل من المنازل. وأن أقرب الفترات وضوحاً في ثاج هي ما بين 300 ق. م وحتى 300 ميلادياً.

جري في ثاج عدة مواسم تنقيبية ومنها الموسم الأول لمتحف الدمام[9] عام 1419هـ وهو ما سوف نتحدث عنه بأختصار بناءً على ما نشر من التقرير الأثري الذي نشر في حولية أطلال السعودية ع16 عام 1421هـ / 2001م ص ص: 37- 71.
من منطلق استمرار فعاليات ونشاط وكالة الآثار والمتاحف لعمل حفريات في أنحاء المملكة اختيار ثاج للتنقيب فيه وذلك لأهميتها الأثرية.
تم تحديد أحد التلال ألأثرية في موقع ثاج وأطلق على التل تل الزاير[10] ، والتل يتميز بضخامته ويرتفع ما يقارب من 6 أمتار، والتل تعرض قديماً للتعدي من الجهة الجنوبية الغربية، كما أن التل قد عمل فيه مجس صغير من قبل وكالة الآثار.
تم تحدي مربع للبدء في عملية الحفر وأثناء الحفر والتنقيب وعلى عمق 160سم وجد فتحة صغيرة دائرية قطرها 10سم وبالنظر داخلها ربما يدل على غرفة دفن تم الحفر والتنقيب وتتبع الفتحة وفي هذه الأثناء بدأت تظهر جدران غرفة المدفن وتتم تتبعها وظهر مدفن مستطيل الشكل مبني من الحجارة بأطوال 2م في 102سم وقد بنيت الجدران بألواح أو مداميك حجرية مستطيلة من الحجر الجيري وبأحجام متساوية تقريباً، كما دعم المدفن بأحجار غير منتظمة حوله لحماية الغرفة وتقويتها ودعمها من الخارج.
وعند بداية فتح المدفن لوحظ أن الغطاء الحجري للمدفن قد سقط داخل المدفن وربما بسبب مرور السيارات فوق ظهر التل وثقل الرديم على غطاء المدفن.
وأثناء رفع غطاء المدفن بدأ بعض من القطع الذهبية على عمق 70-90سم وتم تدريجياً الكشف عن بعض القطع الذهبية، وفي أسفل المدفن وجد الكنز الذهبي (المرفقات الجنائزية) وهو متمثل في ما يلي:

قناع الوجه الذهبي
• الأساور: وجد عدد 2 من الأساور الذهبية متداخلة مع بعضها البعض.
• الأقراط (الحلق): كشف عن عدد 2 بالقرب مكن الأذنين وهما على هيئة حلقات تثبت في ثقب شحمة الأذن.
• الخواتم: والخواتم كان لهم نصيب فقد وجد عدد 2 من الذهب وهما مطعمان بأحجار كريمة بهما نقوش أحدهما لرأس إنسان ربما يكون وجه حاكم حيث يرتدي زياً عسكرياً يمثل الخوذة، والآخر به نقش آلهة واقفة (أرتمس) والخاتمين يختلفان في الحجم.وعند التأمل في الخواتم تأملاً دقيقاً نجد أنهم صنعا بيد فنان قدير وماهر قد أبدع في أخراج التحفة الفنية ذات الذوق الفني الرفيع والرائع في الشكل والتصميم المتناهي الصنع.
• العقود: تم الكشف عن عقدين من الذهب واحد منهم مزين بأحجار كريمة ولؤلؤ، والعقد الثاني ذو سلسلة ذهبية مكون من قلب مطعم بأحجار كريمة ولؤلؤ وفي وسطه فص من الياقوت الأحمر عليه نقش يمثل صورة وجه امرأة ربما يكون للآلهة أفروديتي آلهة الحب والجمال في الأساطير القديمة، ويلاحظ دقة الصنع والنحت.وكذلك كشف عن عقد ثالث من الذهب.

• شرائط ذهبية: وهي رقائق شريطية.
• قطع ذهبية كثيرة: ويبلغ عدد أكثر من ثمانين قطعة موزعة حول الهيكل والبعض منها تحتوي على زخارف منها الزهرة، ومنها صورة الإله زيوس واقفاً، وأيضاً صورة النسر واقفاً وهو من ضمن المعبودات في ثاج (احتمال)، وقطعة واحدة تحمل صورة وجه امرأة مرتدية إكليلاً من أورق النبات وشعرها على هيئة ضفائر... ووجد ما يقارب من 190 قطعة من الأزرار الذهبية متوسطة الحجم لكل منها حلقة من الداخل للتثبيت، ومن المكتشفات أيضاً 66 قطعة من الأزرار الذهبية الصغيرة وكذلك بعض حبات اللؤلؤ الصغير المتناثر وربما كانت تزين ملابس المتوفاة.

• السرير الجنائزي: المدفن في العصور القديمة مهم جداً للشخص المتوفى ولكن القلة منهم من يوضع على سرير، والسرير المكتشف صنع من المعدن والخشب إلاّ أن الخشب قد تأكل بفعل عامل الزمن، وإلى السرير أربعة قوائم عند كل زاوية وقد شكلت هذه القوائم على هيئة تماثيل من المعدن على هيئة سيدة واقفة بطول 40سم وكل اثنين منهم متشابهين في الشكل. وفيهم إتقان الصنع وعلى السرير صفيحة مثبته على الجوانب العلوية منقوشة لدلفينين مرتبطين بالذيل وهذا لهم دلالة دينية.
• الأواني المعدنية: وجد عدد 4 قطع معدنية متآكلة.
ويعود المدفن والهيكل إلى ألفي سنة من الآن (الفترة الهلينستية) تقريباً. وأغلب المعثورات معروضة في المتحف الوطني بالرياض وجزء يسير منها معروض بمتحف الدمام الإقليمي.
وإلى حلقة أخرى من آثار المنطقة الشرقية؛؛؛؛











0 التعليقات for "كنوز في ثاج"